السخـــريـــــــــة

في أدب معمر القذافي

 

 القرية  القرية .. الأرض  الأرض..

وانتحار رائد الفضاء

 

دراسة يكتبها  /   عبدالرسول عريبي

 

        منذ البداية أود لو أقرر هنا أننا أمام صوت مختلف، وكتابة مختلفة، وعلى أكثر من صعيد، وهي بالتالي من رجل مختلف هو معمر القذافي، بكل ما يحمل هذا الاسم من دلالة وإيماء ومعنى.

       من هنا ستواجهنا مشكلة أن نكتب بمنهجية منفصلة عنه، عن ذاته، وعن قضاياه، ولأننا أمام كتابة إبداعية صرفة تبدو للبعض وكأنها منفصلة عن موضوع كاتبها.. القائد، والثائر.. والمفكر الشجاع، ولكنها غير ذلك تماما، فالذي عرف القائد في ما يقول ويكتب ويحاور يصل الى قناعة بأنه لا يمكن فصل القائد المفكر عن المبدع الساخر المتهكم في كتاباته الابداعية.

       ورغم ذلك سأحاول هنا أن استنبط المصوغات، والمفردات التي وردت في كتابه الإبداعي المهم (القرية القرية.. الأرض الأرض..) وأن أترصد اللغة الساخرة لكاتب ساخر متهكم على متناقضات الحياة، وعلى اختلاف هذه الحياة حول نفسها، بل وفي أغلب الأحيان سخرية هذه الحياة من تجلياتها المختلفة

 

      ولأن القذافي في ما يكتب ينصرف الى التأمل، سنجده في سخريته يفضى الى فكرة مثيرة للجدل، وهي عنده قضية، ومسألة من مسائل الحياة، وفكرة من أفكارها، وقد راق له أن يسخر منها بحيث تتحول الى مثار للضحك لنقرأ مثلا:

       هذه هي المدينة.. ليس في المدينة تفضل.. بل ادفع.. ادفع بكتفك.. ادفع بكفيك.. ادفع من جيبك.. ادفع من أي اعتبار اجتماعي.. المدينة ادفع لا تفضل.. من المفيد هنا القول أن المدينة هي حالة غربة دائمة حتى وإن كنت من أعرق سكانها، إذ ستواجهك بنفسها بآلياتها ومعطياتها، وستفقدك الدفء الإنساني، إذ من واجبك أن تكون جاهزا لمواجهتها.. فهي ستعلمك لغتها.. فهي ليست قرية يعرف الناس فيها بعضهم بعضا، هي مواجهة معقدة مع الحياة. والكاتب هنا ينفى عنها الكرم الذي تحيطك به القرية فليس إذا أمامك سوى الاستجابة لمعطى مادي صرف يقتل فيك أي رغبة في معرفة الآخر أو التعامل معه، إلا في نطاق ما تحدده هي لك من لغة تتكلم بها، وأسلوب تتعامل به، ومنطق مادي لا يمكنك اختراقه.

       والكاتب هذا يقرر أن المدينة أول ما تقتل في الإنسان كرمه ومرونته بحيث لا تتوخى ذلك في أحد طالما أنت فيها أو من ضيوفها، وعليك أن تدفع لا أن تستضاف على طريقة الكرم الاجتماعي الذي هو خصوصية إنسانية نبيلة. يضيف الكاتب (في المدينة تلقن دروسا جاهزة على تساؤلات متوقعة تجيب تلقائيا بلا اكتراث.. ما فيه .. ما فيه.. الله غالب.. هذا هو لا يا عمى.. لا يا خوي.. قالوها.. كان زمان.. امش تربح.. حول عن طريقي.. بالك.. هكذا إذن.

 مجموعة من الكلمات الفارغة من أية دلالة سوى دلالة واحدة. هي لا معنى للفرد.. لا معنى للوجود الإنساني .. بل هي غربة ذاتية في داخل كل واحد، هذا يقول هذه الكلمات لي وأنا أقولها لك وأنت تقولها لمن حولك لتصبح بالتالي دائرة كبيرة فيها لا معنى للفرد داخل الجماعة ولا معنى الجماعة للفرد. هي إجابات جاهزة لك ولسواك.. ومن هنا لا تتجدد الحياة في لغتها والقها، بل تتأصل فيها العدمية ضمن سياقها المعيشي وهي بالتالي  كما يقرر الكاتب ..

(جزء من كل ثقيل .. مجهد بلا إنتاج، متعب بلا عمل.. عائش بلا هدف.. موجود بلا غاية.. ) ،

 ويعدد بعذ ذلك الكاتب المشاهد في المدينة. (المتسول من مسئولية المنظمات الاجتماعية ولو أعطيت كل متسول صادفني في شوارع المدينة، لأنقفت كل ما عندي على الشحاذين.. ) ، وهذه سخرية مؤلمة وحادة ، أنت لا تريد أن ترد السائل وتحبذ أن تعطيه حقه عليك مما أعطاك الله ولكنك في المدينة ستجد نفسك أمام زمرة من المخادعين، بحيث يختلط عليك الأمر بين أن تعطي بقلب فرح مطمئن أو أن تمنع وترد هذا السائل المسكين.. لكنهم كثر، ويجب أن تقتل في نفسك هذه النزعة الانسانية وتدوسها، وبالتالي تقتلها في روحك كما قتلت الكرم.. وهكذا يقول لنا الكاتب أن المدينة مستمرة في قتل إنسانيتك شيئا فشيئا حتى تأتي عليك وتحولك الى آلة تمشي وتأكل وتشرب وتنام.. لكنها لا تعطى.. ثم يستمر السرد الساخر من مثالب المدينة، وإشكالياتها الاجتماعية، التي تتحول شيئا فشيئا الى حالة ثقافية مهيمنة، ومتوارثة، لتغدو بعد ذلك سمة دالة عليها لا تلتقى وحياة وسلوك أهل الريف أو البادية أو حتى الأطراف.. إنها مجرد مأزق حضاري يشخصه الكاتب بلغته الساخرة النافذة. 

      لكن الكاتب لا يتركك في حيرة لسؤالك: أين المفر إذن ؟..

       الكاتب منذ عنوان كتابه يحرض على الحياة الأخرى المرتجاة.. إنها الحياة السهلة بكل تجلياتها، إنه يقول لك.. القرية القرية.. عليك بالقرية لكي تنجو من مغبة الحياة في المدينة..

       ولكن لماذا القرية ؟.

       لأنها المنقذ، فهي الفضاء الرحب والمجال الحيوي الوحيد لانطلاق الإنسان، حضور إنسانيته وقيمه.. وسلامة روحه.. فهي عنده النقيض للمدنية.. ثم هي الملاذ.. ثم بعد ذلك هي جوهر الحياة المفترضة، بل هي الحياة الطبيعية المنسجمة مع تطلعات الانسان وطبيعته البشرية الميالة الى عمل الخير والتعارف والتعاون والتجرد من الأنا العمياء المنصرفة الى نفسها وشئونها، لكن ذلك لا يتحقق إلا بالفرار.. الفرار من المدينة ..

       ابتعدوا عن الدخان..

        ابتعدوا عن ثاني أوكسيد الكربون الخانق..

        ابتعدوا عن أول أوكسيد الكربون السام..

        ابتعدوا عن الرطوبة اللزجة ..

       وسنراه في مكان آخر يعمق هذا النداء ويفلسف أبعاده الإنسانية حين ينادي فينا الطبيعة والأمل والحياة، بل يكاد يصرخ في كل سكان المدن أن لا حياة طبيعية وإنسانية إلا حياة الأرض الريف القرية..

       الأرض أمكم حقا، هي التي ولدتكم من أحشائها..

       وفي مكان آخر فلا تعقوا أمكم، لا تقطع شعر رأس أمك، ولا تقطع أصابعها أو تمزق لحمها أو تجرح جسمها.. فقط قلم أظافرها، ونظف جسدها من الأوساخ والأدران.. وداوها من الأمراض.. فلا تبن أثقالا فوق صدرها.. ولا تعبد طينا أو حجرا فوق ضلوعها، ارحموا أمكم، لأنه إذا فرطتم فيها، فلن تجدوا أما بعدها هذا هو نداء الأديب والمفكر.

       وهذه رسالته من الكتابة..

       فهو يكتب بوعي الحياة، وبضميرها.. ويكاد يصرخ باسمها.. مخاطبا الإنسان أن يشفق على نفسه، أن يدرك مغبة ما هو مقدم عليه دون وعي وإحساس بالمسئولية تجاه المستقبل.

       لا تحطم مثواك الأخير.. وملاذك. وإلا كنت من النادمين الخاسرين.. ويحذر الذين تكالبوا على تحويل الأرض الزراعية الى أرض صناعية.. وينزعون عنها بالتزوير الصفة الزراعية ليقيموا عليها المنشآت والمصانع.. والمداخن حتى تضيق بهم.

       ( المحولون الأرض الزراعية إلى أرض غير صالحة للزراعة هم المفسدون فيها ).

      في قصته المتميزة انتحار رائد الفضاء يعمق الكاتب المفكر معمر القذافي رؤاه،  فيدفعك الى التأمل في السخرية العالية من الصناعة، والأبحاث الفضائية التي أودت برائد الفضاء الى الانتحار.

       ليس لأنه سقط من السماء الى الأرض، أو أنه تعرض لحادث فني أسقطه أرضا، بل لأن ما يقوم به في الجو هو عمل عبثي لا طائل من ورائه.. فما الذي سيجنيه البشر من فقرهم وجوعهم وأمراضهم وأزماتهم الاقتصادية من رحلة فضائية تكلف ملايين الدولارات. وهكذا ستجد في قصة انتحار رائد الفضاء اللاوحدوي الفضاء أمام حيرة اللاجدوى من رائد الفضاء حين عاد من رحلته الى الأرض فلم يجد العمل الذي يمكنه من الحياة على الأرض التي غادرها. 

      (وخلع رائد الفضاء ملابس المركبة الفضائية وارتدى بدلته العادية المناسبة للسير والمعيشة فوق الأرض، وانتهت مهمته مع مؤسسة الفضاء.. وصار يبحث عن عمل أرضي.

         بعد ذلك يريد الكاتب أن يحيلنا الى أزمة العلم الحديث حيث يقفز عن الحاجات الضرورية للفرد في مواجهة الحياة.. فنحن نعرف أن مرتبات رجال الفضاء تقدر بالآلاف، لكنهم في حقيقتهم يشكلون أحد أعباء الشعوب جراء علم لا ينفع ذا كانت الأرض نفسها مازالت بكرا لنتابع.. (فدخل رائد الفضاء، محل تجارة فلم ينجح في هذه الحرفة البسيطة لأنها ليست من تخصصه، كذلك محل الخراطة والحدادة والبناء والسمكرة، وحتى محل الزواق والتلبيس كذلك، فهو لم يدرس الرسم أو الموسيقى، أو الحياكة، لأنها ابعد من تخصصه العلمي، فخرج من المدينة الصناعية فاشلا مدحورا).

       هذه المعالجة من الكاتب للمطاف الذي آل إليه عالم وباحث رهن حياته ضمن نخبة من العلماء في حقل نادر وصعب التخصص تحيلنا الى مدى سخريته منهم ومن جدواهم أمام أزمات الإنسان والضائقة التي يعيشها.. إنه أي الكاتب يريدنا أن نتأمل معه هذه الكوميديا السوداء حين العالم الباحث النادر التخصص سيفشل فيما لو واجه الحياة المنتجة النافعة له وللإنسان، وأن علمه في لا جدواه لم يمكنه من التفاعل مع حياة المدينة ومطالبها.. فماذا لو ذهب الى الأرض والى الريف والى القرية؟.. إنه هناك سيكون أقل حظا من حاله في المدينة.. فالمزارع لا يعرف بالضبط ما في السماء ، فقط الله والمطر والشمس والقمر والنجوم وهي عوالم في الطبيعة يحبها ويعترف لها "وفي السماء رزقكم وما توعدون" غير أن رائد الفضاء يبحث لدى هذا المزارع فرصة أخرى لعله يجد الطريق الى حياة مزدهرة. (فقال له الفلاح صاحب الأرض.. صاحب المزرعة.. هل تجذبك الأرض إليها يا بني؟). 

      فقال رائد الفضاء: إن جذب الأرض يتناقص كلما صعدنا الى أعلى.. ويقل وزننا تدريجيا حتى وصولنا الى نقطة انعدام الوزن الخ.. سنلاحظ أن الحوار الساخر منذ البداية يحمل بذرة الخلاف بين فلاح بسيط على الأرض، وبين عالم فضائي متمرس بعلوم الفضاء.. فالفلاح يعني بالانجذاب (هل تحب فلاحة الأرض) بينما ذهب رجل الفضاء الى تحب العلوم الأخرى التي لا تعني بالنسبة للمزارع شيئا.. وهكذا تتعمق سخرية الكاتب بعمق أفكاره ودلالاتها التي تحيلنا كقراء الى فضاء من الفكر والتأمل، فيقدر ما عند رجل الفضاء من علم ومعرفة بعلوم الكون والطبيعة نجد الأمية عند المزارع.. ولكن اين يقف المزارع واين يقف رجل الفضاء  هذا هو السؤال.. المزارع البسيط في مزرعته حيث الأمل والحياة والخير والنماء.. ورجل الفضاء في توهانه وضياعه كأنه في منطقة اللاجاذبية بين الأرض والسماء.

       هذه هي سخرية الكاتب معمر القذافي، وهذه هي الأسئلة التي يطرحها في نصه المتميز.. انتحار رائد الفضاء.

       الفرار الى جهنم..

إنها قطعة أدبية من طراز  رفيع، كتبت بنفس واحد متصل كنهر لا يتوقف، عبر تداعيات فيها الإيماء والإشارة والرمز.. وفيها ثقافة وعمق كاتبها، في اطلاعه وسعة آفاقه المعرفية، وهي حالة أدبية نادرة تعبر عن عمق موهبة كاتبها وما يملك من روح إبداعية زاخرة وصافية ومشتعلة في آن.. وهي تفسير لذاته وما في هذه الذات من غضب وحزن والم.. وما فيها من فيضانات، وما تحت هذه الفيضانات من أعماق وما في هذه الأعماق من قضايا ورؤى، وتجليات نفس مهمومة إزاء الواقع.. إزاء الحياة وإزاء البشر والوجود والعدم..

 لنقرأ :

( ما أقسى البشر عندما يطغون جماعيا.. يا له من سيل عارم لا يرحم أمامه ).

إن الكاتب هنا يصور التناقض في الصراع بين الفرد والجماعة والجماعة والفرد.. فطغيان الفرد هو أنواع الطغيان، فهو فرد في كل حال.. بينما سنجد أن طغيان الجموع، فهو أشد صنوف الطغيان.. حالة من التأمل في طبيعة الصراع الدائر في الحياة.. إنه الصراع المصيري الذي يؤدي أحيانا الى نتائج وخيمة.. الكاتب هنا يتأمل بعمق.. وهو في موقع القائد الجماهيري.. الخطيب الذي لطالما سحر الجماهير بكلماته.. إنه يحس في داخلها وفي أمواجها الاندفاع والتوحد والتماهي الذي يراه أمامه قوة وعنفوانا ولكنه في نفس  الوقت يرى غضبتها إذ ما قرر الغضب والعنفوان إذا تجلت دعواعي العنفوان يضيف: كم هي عطوفة في لحظة السرور، فتحمل أبناءها على أعناقها، وفي وجه آخر، كم هي قاسية في لحظة الغضب. ويعدد الكاتب مصائر مختلفة لزعماء وقادة واجههم هذا العرم على حق أو على باطل فأطاح بهم مرة واحدة رغم أنه أحبهم ويتساءل الكاتب بعمق:

يا للهول.. من يخاطب الذات اللاشاعرة كي تشعر ؟..

من يناقش عقلا جماعيا غير مجسد في أي فرد؟..

من يمسك يد الملايين ؟.

من يسمع مليون كلمة من مليون فم في وقت واحد؟..

من في هذا الطغيان الشامل يتفاهم مع من ؟.. ومن يلوم من.. ومن.. المن ذاته؟..

      إن القائد يبرز هنا في هذا النص، ذاته أعماقه.. حالته الداخلية العميقة.. أسئلة روحه على الواقع وتجلياته في فلسفة القيادة مفهوم القائد ومفهوم الجماهير.. مفهوم الحب واللاحب.. فنراه يغير في الضمائر حتى يفضي الى ضمير المتكلم لنقرأ :

 (أمام هذا اللهيب الاجتماعي الذي يحرق ظهري أمام مجتمع يحبك ولا يرحمك.. أمام أناس يعرفون ما يريدون من الفرد، ولا يأبهون لما يرده الفرد منهم.. يفهمون حقوقهم عليك.. ولا يفهمون واجبهم نحوك..)

      هكذا يفصح القائد عن نفسه أعطت وذابت في العطاء وتفانت في البذل وضحت وحزنت وقاومت وقاتلت وأعطت دون أن تحس هذه الجماهير بالحالة البشرية والإنسانية والذاتية للفرد الاجتماعي القائد الذي يريد ان يلوذ بها ولو الى حين حتى يعود الى معركته الطويلة الأمد.. ولكن من أين له والجماهير له بالمرصاد يحبها المطالب وحبها المحتاج وحبها الذي يلزمك بالعمل حتى آخر لحظة.. (تحبك دون أن تعبر عن ذلك بشىء مادي بسيط ككرسي أو منضدة في مقهى).

       ويتساءل بمرارة وحزن:

      فماذا أطمع أنا البدوي الفقير التائه في مدينة عصرية مجنونة، أهلها ينهشوننى كلما وجدوني..

           إنه يعود لسخريته اللاذعة وسوداويته إزاء مطالب الناس فتقرأ دون أن تضحك لما في كلماته من دلالة وعمق:

       إين لنا بيت غير هذا

        أمددنا لنا خطا أرفع من ذلك

        أرصف لنا طريقا في البحر

        ازرع لنا حديقة

        اصطد لنا حوتا

        اكتب لنا تعويذة

        اعقد لنا قرانا

        أقتل لنا كلبا

        اشتر لنا هرا.

       إنه النزوع الى لا قول واليوم وإشراك القارىء في صدى الهم الإنسان للقائد الذي أعطى كل ما يمكن أن يمنحه فرد لجماعة.. أقصى ما عنده من بذل ذهني وفكري.

       لكنه في إصراره يمنى نفسه بهروب كبير الى ما هو أقسى وأعظم قسوة. وكأني بهذا البدوي البسيط الفار يقول (نرا جهنم أرحم منكم ومن مطالبكم ومن اتكاليتكم وعجزكم).

       ما أحلى جهنم عن مدينتكم..

        أعطوني نفسي فقط، نفسى التي اكتشفت أنكم شوهتموها وحاولتم إفساد طبعها الحميد.

       يضيف:

      حاولتم الحيلولة بيني وبين نفسي، ولكن بفراري الى جهنم انتزعت نفسي منكم..) .

       إنه يفر من السلطة.. من المال.. من الصولجان.. من قوة السحر في النفوذ.. ومن الكسل.. ومن اللامبالاة .. ويبحث عن الخلاص.. لكنه رغم ذلك يعترف بأن واجبه تجاهكمأكبر من حاجته الى الفرار والنجاة بذاته ونفسه (أحسست بحالكم.. سمعت خطيب الجمعة في مساجدكم يقول: إن حالنا لا يخفى عليك، وعجزنا واضح بين يديك، ولا ملجأ الا إليكم.. لبيك.. لبيك..

       عشبة الخلعة والشجرة الملعونة.

       في هذا النص يضيف الكاتب نيرة عقب أخرى عالية تجاه المفاهيم، وتجاه الثقافة المتوارثة والاتكالية، ويتحدث عن عمق المأساة فنيا وعدم مقدرة المجتمع على النهوض الفعلي.

       نحن دعاة سلام ومحبة وشعارنا (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) فعلى الاسرائيليين منا السلام والرحمة والبركة وكذلك الأمريكان وحلف شمال الأطلسي، وحلف داوود وعليهم أن يردوا علينا بنفس التحية أو بأحسن منها فننتظر كل يوم من الاسرائيليين وحلفائهم أن يقولوا: (السلام على الرابطة وتاجوراء ورأس الأنوف والقدس وبغداد).

       يضيف الكاتب: وفعلا نحن ما حاجتنا بمصنع الأدوية في الرابطة أو رأس الأنوف، مادام الحاج حسين جمع لنا كل الأعشاب التي تشفى من كل الأمراض حتى مرض العقل والقلب والنظر.. يضيف الكاتب: والكرومة أو الكرامة.. وفي مكان آخر يشير على عشبة الحاج حسين السحرية التي ستكفينا عناء البحث والتفكير (عشبة ضد الكبر أو البكرياء أو شىء من هذا عموما له علاقة بالشيخوخة على مايبدو..).

   هذا هو الكاتب معمر القذافي في تجلياته وفي رؤاه.. إنه يطرح أسئلة ساخرة من واقع لا يمكن مواجهته إلا بسخرية مماثلة لربما تخلصنا جميعا من أعباء مواجهة معقدة مع الحياة والعالم.

 

عبد الرسول عريبي


 

جائزة القذافي الدولية لحقوق الإنسان - جميع الحقوق محفوظة   © 2005